قمرالكواملتابعنا علي :

عِظم التوحيـد

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل

عِظم التوحيـد Empty عِظم التوحيـد

مُساهمة من طرف mc nabulsy الأحد يناير 10, 2016 5:45 pm

عِظم التوحيـد




من القضايا الكبرى المصيرية في الإسلام التي يجب التذكير بها بين الفينة والأخرى هي قضية التوحيد، وإفراد الله -عز وجل- بأنواع العبادة، والتحذير من الشرك وخطورة الوقوع في مزالقه.
لأن مدار رحى نجاة العبد في دار الخلود متوقف على الإتيان بهذه العبادة خالصة نقية؛ ولأهميتها كانت قاعدة انطلاق دعوة الرسل -عليهم الصلاة والسلام- من أساسها.
فكل قضية أو دعوة أو مهمة تصغر وتتضاءل عند هذه القضية الكبرى، والمهمة الأسمى، فلا تتقدمها أي قضية مهما بلغت من الأهمية.
وتبرز أهمية الاعتناء بقضية التوحيد من عدة جهات:
أولًا: أنها القضية الكونية العظمى التي من أجلها وُجد، فاختلالها مؤذن بخراب العالم، والدليل على ذلك أن الله -جل وعلا- بين في كتابه أن العلة من إيجاد هذا الخلق المكلف هو وظيفة أداء العبادة للخالق -سبحانه وتعالى-، والعبادة مبناها على التوحيد، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]؛ فإذا لم تتحقق هذه الغاية في واقع العباد، أذن الله تعالى بقيام الساعة، كما روى مسلم في صحيحه من حديث أَنَسٍ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: ) لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الأَرْضِ: اللَّهُ، اللَّهُ (.
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله-: هذه الغاية التي خلق الله الجن والإنس لها، وبعث جميع الرسل يدعون إليها، وهي عبادته المتضمنة لمعرفته ومحبته، والإنابة إليه والإقبال عليه، والإعراض عما سواه، وذلك متوقف على معرفة الله تعالى؛ فإن تمام العبادة متوقف على المعرفة بالله، بل كلما ازداد العبد معرفة بربه، كانت عبادته أكمل، فهذا الذي خلق الله المكلفين لأجله، فما خلقهم لحاجة منه إليهم.
ثانيًا: أن الله -عز وجل- بعث الرسل وأرسلهم لتحقيق هذه الغاية الكبرى؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36].
قال الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ -رحمه الله-: أخبر تعالى أنه بعث في كل أمة -أي في كل طائفة وقرْن من الناس- رسولًا بهذه الكلمة: ﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ أي اعبدوا الله وحده، واتركوا عبادة ما سواه؛ فلهذا خلقت الخليقة، وأرسلت الرسل، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25].
وهذه الآية هي معنى: لا إله إلا الله؛ فإنها تضمنت النفي والإثبات، كما تضمنته لا إله إلا الله؛ ففي قوله: ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ ﴾ إثبات، وفي قوله: ﴿ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ النفي، فدلت الآية على أنه لا بد في الإسلام من النفي والإثبات، فيثبت العبادة لله وحده، وينفي عبادة ما سواه، وهو التوحيد الذي تضمنته سورة (قل يا أيها الكافرون)... ودلت الآية على أن الحكمة في إرسال الرسل هو عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه، وأن أصل دين الأنبياء واحد، وهو الإخلاص في العبادة لله.
ثالثًا: أن تحقيق التوحيد هو الضمان لنجاة العبد من الخلود في النار يوم القيامة، وسبب أعظم لدخول الجنة إما ابتداء أو انتهاء. كما روى البخاري في صحيحه من حديث عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: ) مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْعَمَلِ (.
وروى البخاري ومسلم أيضًا من حديث عتبان بن مالك -رضي الله عنه- قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ) فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ (.
وفي البخاري أيضًا من حديث أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: ) أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمُعاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ قَالَ: يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: يَا مُعَاذُ، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثَلَاثًا، قَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ، إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا، قَالَ: إِذًا يَتَّكِلُوا. وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا (.
رابعًا: أن التوحيد هو الفيصل بين الإسلام والكفر؛ وهو العاصم لعرض العبد ودمه وماله؛ فكل من أتى بهذا التوحيد حرم التعرض له بأي أنواع الأذى، إلا ما أذنت فيه الشريعة؛ كما في الصحيحين من حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ) لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلًاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّاني، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ (.
وروى البخاري في صحيحه عن أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قال: ) بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْحُرَقَةِ، فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَكَفَّ الْأَنْصَارِيُّ فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟! قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذًا، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ (.
خامسًا: عظم ما يقابل التوحيد وهو الشرك؛ فهو أكبر المعاصي عند الله تعالى، وهو الذنب الذي لا يغفره الله تعالى إلا بالإتيان بضده وهو التوحيد؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48].
قال الحافظ ابن كثير: أخبر تعالى أنه لا يغفر أن يشرك به، أي لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك به، ويغفر ما دون ذلك -أي من الذنوب- لمن يشاء من عباده.
فتبين بهذا أن الشرك أعظم الذنوب؛ لأن الله تعالى أخبر أنه لا يغفره، إلا بالتوبة منه، وما عداه فهو داخل تحت مشيئة الله، إن شاء غفره بلا توبة، وإن شاء عذب به.
سادسًا: خوف الخلص من الأنبياء والمرسلين من الوقوع في الشرك، وهو ما يضاد التوحيد؛ مما يؤكد منزلة التوحيد وعظم شأنه، ولا أدل على ذلك من قول إبراهيم الخليل -صلى الله عليه وسلم-: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم:35].
وروى البيهقي عن محمود بن لبيد، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ) إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر (.
ولذلك قال إبراهيم التيمي: ومن يأمن من البلاء بعد إبراهيم؟!
وهذا يوجب للقلب الحي أن يخاف من الشرك، لا كما يقول الجهال: إن الشرك لا يقع في هذه الأمة؛ ولهذا أمنوا الشرك فوقعوا فيه.
سابعًا: أن التوحيد من أول الواجبات التي يدعى إليها الخلق، فلا واجب قبله، وهو أفرض الفروض على الناس؛ فالبدء به هو المتعين لكل داعية صادق متبع لطريقة الأنبياء والمرسلين، ولا أدل على ذلك من اتفاق الأنبياء جميعًا على البدء بقولهم لأممهم: ﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 59].
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: ) أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، قَالَ: إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا، فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ (.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد علم بالاضطرار من دين الرسول -صلى الله عليه وسلم-، واتفقت عليه الأمة أن أصل الإسلام وأول ما يؤمر به الخلق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.
وهناك أسباب كثيرة تجعل الاهتمام بالتوحيد وبيان واجباته ونقائضه من أهم المهمات وأوجب الواجبات.
ولذلك يدرك المتابع للحراك الدعوي قصور كثير من الحركات الإسلامية، وبعدهم عن هذه القضية الجوهرية في الإسلام، وانشغالهم بأمور هي أقل بكثير من هذه القضية العظمى.
وكان الواجب عليهم تصحيح مسارهم الدعوي ما داموا قد اختاروا السير في طريقة الأنبياء وحذو منهجهم.
mc nabulsy
mc nabulsy
عضو نشيط
عضو نشيط

الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 19
الابراج : العذراء

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى